كيمياء

LightBlog

آخر المواضيع

السبت، 19 نوفمبر 2016

السبت, نوفمبر 19, 2016

تاريخ الجدول الدورى الحديث


كان البحث عن طريقة لترتيب العناصر بصورة تعكس التشابه في خصائصها مدار بحث الكيميائين بشكل دائم، ففي الجدول الدوري الحديث تترتب العناصر تصاعدياً بالاعتماد على عددها الذري (العدد الذري: هو عدد البروتونات في نواة الذرة)، ولكن الجداول القديمة كانت تعتمد الأوزان الذرية النسبية في ترتيب العناصر، وذلك لأنّ فكرة تكون الذرات من جزيئات صغيرة هي البروتونات والنيوترونات والإلكترونات لم تكن قد نشأت بعد، ومع ذلك فإنّ المبدأ الأساسي في الجدول الدوري الحديث كان راسخاً وقد استخدم في توقع خصائص العناصر غير المكتشفة قبل تطور مفهوم العدد الذري بزمن طويل.

سنحاول في هذا المقال الإبحار في تاريخ الكيمياء للتعرف على بداية الجدول الدوري والكيفية التي تطور بها على يد كبار العلماء وعلى مدى القرنين الماضيين.

نشوء الجدول الدوري


لو طرحنا السؤال التالي: من الذي وضع الجدول الدوري؟ فبالتأكيد ستكون إجابة أغلب الكيميائيين: ديميتري مندلييف. بكل تأكيد فإنّ مندلييف هو أول من نشر نسخة الجدول الدوري المعروفة لدينا اليوم، ولكن هل يستحق مندلييف كل هذه الشهرة؟

لقد درس العديد من الكيميائيين قبل مندلييف أنماط الخصائص للعناصر المعروفة في عصرهم، وكانت أولى المحاولات لتصنيف العناصر سنة 1789 حين صنف أنتوان لافوازييه العناصر بالاعتماد على خصائصها إلى: الغازات، اللافلزات، الفلزات، والترابيات.

وفي العقود التالية ظهرت العديد من المحاولات لتجميع العناصر مع بعضها، ففي سنة 1829 تمكن جوهان دوبرينير من التعرف على ثلاثيات من العناصر تمتلك خواص كيميائية متشابهة، مثل الليثيوم والصوديوم والبوتاسيوم، وبين كذلك أن خواص العنصر الأوسط يمكن توقعها من خواص العنصرين الآخرين.

سنة 1860 وفي مؤتمر في مدينة كارلسروه الألمانية ظهرت أول قائمة دقيقة للأوزان الذرية للعناصر، وكانت هذه خطوة حقيقية باتجاه إيجاد الجدول الدوري الحديث.

ألكسندر إميل بيغواير دي-كانكورتوي Alexandre-Emile Béguyer de Chancourtois



هل يحق لفرنسا أن تطالب بالجدول الدوري الأول؟ على الأرجح كلا، ولكن البروفيسور الفرنسي في علم الأرض حقق تقدماً واضحاً باتجاه ذلك، مع أن قلة من الناس قد تنبهوا لذلك.

كان ألكسندر إميل بيغواير دي ـ كانكورتوي عالماً جيولوجياً، ولكن العلماء في ذلك الوقت كانوا أقل تخصصاً مما هم عليه الآن. كانت مساهمته الأساسية في الكيمياء هي (اللولب التلوري) وهو ترتيب ثلاثي الأبعاد للعناصر التي تشكل البنية الأولى للتصنيف الدوري، وقد نشر هذا العمل سنة 1862.

تظهر الأوزان الذرية للعناصر في اللولب التلوري خارج الأسطوانة، حيث تعادل دورة واحدة زيادة بمقدار 16 في الوزن الذري. وهذا الترتيب ـ كما يظهر في الشكل ـ يعني أنّ بعض العناصر ذات الخواص المتشابهة تظهر في خط عمودي، ومع أنّ اللولب التلوري لم يظهر بشكل صحيح جميع العلاقات بين العناصر المعروفة في ذلك الوقت، إلا أن دي-كانكورتوي يعد أول من استخدم الترتيب الدوري لجميع العناصر المعروفة ليبين بذلك أن العناصر المتشابهة تظهر في أوزان ذرية دورية.



جون نيولاندز John Newlands


عالم بريطاني الجنسية لاحظ ـ قبل أن ينشر مندلييف جدوله الدوري بأربع سنوات ـ أن هناك تشابهاً بين العناصر التي تختلف في وزنها الذري عن بعضها البعض بمقدار 7، وقد سمى هذه الظاهرة بقانون الثمانيات (Octaves)، في مقارنة بينها وبين الثمانيات الموسيقية.

لم تكتشف الغازات النبيلة (الهيليوم، النيون، الآرغون.. الخ) إلا بعد مدة من الزمن، والتي فسرت سبب وجود دورية سباعية وليست ثمانية في جدول نيولاندز.

لم يترك نيولاندز أي شواغر في جدوله لأي عناصر غير مكتشفة، وقد اضطر في بعض الأحيان إلى حشر عنصرين في موقع واحد للحفاظ على النمط المتبع، لذلك، رفضت الجمعية الكيميائية نشر ورقته البحثية، حيث علق البروفيسور فوستر على عمله بأنه ربما رتب العناصر أبجدياً وبشكل جيد.

وعندما نشر مندلييف جدوله الدوري، طالب نيولاندز بحق اكتشاف الجدول قبل مندلييف، إلا أنّ الجمعية الكيميائية لم تدعمه في ذلك، ولكنها وفي سنة 1884 وجهت دعوة لنيولاندز لتقديم محاضرة حول القانون الدوري كتعويض شرف.

في سنة 1998 ارتأت الجمعية الملكية للكيمياء أخيراً ان تضع لوحة تذكارية زرقاء على حائط مسقط رأسه، تثميناً لاكتشافه للجدول الدوري.

يوليوس لوثار ماير Julius Lothar Meyer



تدرب ماير في جامعة هايدلبرغ على يد بنزن وكيرشوف، كما هو الحال مع مندلييف، وهذا يعني أنّ العالمين يعرفان بعضهما بكل تأكيد، مع أنهما لم يكونا على علم بما قام به الآخر من أبحاث.

تعود جذور ماير إلى ألمانيا، وهو يكبر مندلييف بأربع سنوات فقط، وقد أوجد العديد من الجداول الدورية بين 1864 و 1870.

احتوى جدوله الأول على 28 عنصراً فقط، مرتبة حسب تكافؤها (أي عدد الذرات الأخرى التي يمكن أن يرتبط بها العنصر)، وكل هذه العناصر كانت من مجموعة العناصر الرئيسية تقريباً، ولكن في 1868 أضاف ماير الفلزات الانتقالية، مكوناً جدولاً أكثر تطوراً بكثير، وقد رتب العناصر في هذا الجدول حسب أوزانها الذرية، مع ترتيب التكافؤ المتشابه في خطوط عمودية، بشكل مشابه لجدول مندلييف، ولسوء الحظ لم ينشر عمل ماير هذا حتى سنة 1870، أي بعد عام من نشر مندلييف لجدوله الدوري. وحتى بعد سنة 1870، فإن ماير ومندلييف لم يكونا على علم بأبحاث بعضهما البعض، إلا أنّ ماير اعترف لاحقاً بأن مندلييف قد نشر نسخته من الجدول الدوري أولاً.

ساهم ماير في تطور الجدول الدوري بطريقة أخرى، حيث كان أول من تعرف على النزعات الدورية في خواص العناصر، ويظهر المخطط النمط الذي رآه ماير في الرسم البياني بين الحجم الذري والوزن الذري للعنصر.

ديمتري مندلييف Dmitri Mendeleev



لم يكن مندلييف، كما رأينا في الجزء الأول من هذا المقال، أول من حاول إيجاد العلاقة بين العناصر، ولكن النجاح الكبير لمحاولته هو الذي جعل عمله أساساً للجدول الدوري الحديث.

اكتشف مندلييف الجدول الدوري (أو النظام الدوري كما أسماه هو) عندما كان يحاول ترتيب العناصر، وذلك في شباط من عام 1869، وقد قام بذلك عن طريق كتابة خواص العناصر على بطاقات وترتيبها مراراً وتكراراً إلى أن توصل إلى حقيقة مفادها أنه إذا رتبت العناصر بحسب زيادة الوزن الذري، فإن أنواعاً معينة من العناصر تتكرر بانتظام. فعلى سبيل المثال، يكون اللافلز الفعّال متبوعاً مباشرة بفلز خفيف فعال جداً، يليه فلز خفيف أقل فعالية.

احتوى الجدول الدوري بادئ الأمر على عناصر متشابهة في صفوف أفقية، ولكن مندلييف بدل هذا الترتيب ليصبح عمودياً كما نراه في يومنا هذا.

لم يقتصر عمل مندلييف على ترتيب العناصر بالطريقة الصحيحة فحسب، بل إنه نقل العنصر الذي يظهر في المكان الخاطئ نظراً لوزنه الذري إلى مكانه الصحيح في الجدول بحيث يطابق النمط المتبع. فمثلاً، يجب أن يكون اليود والتيليروم في الجهة المقابلة تماماً بالاستناد على الوزن الذري، ولكن مندلييف رأى أنّ اليود مشابه جداً في خصائصه لبقية الهالوجينات (الفلور، والكلور والبروم) وأنّ التيليريوم مشابه لعناصر الزمرة السادسة (الأكسجين والكبريت والسيلينيوم)، لذا بدل مندلييف مكان العنصرين في الجدول.

أما عبقرية مندلييف الحقيقية فقد ظهرت في تركه شواغر للعناصر غير المكتشفة في حينها، حتى أنه توقع خواص ومركبات خمسة من تلك العناصر. وعلى مدة الأعوام الخمس عشرة اللاحقة فقد اكتشفت ثلاثة من هذه العناصر وكانت توقعات مندلييف صائبة بشكل لا يصدق.

يظهر الجدول التالي مثالاً عن ذلك، وهو عنصر الكاليوم والذي أسماه مندلييف (eka-aluminium) أي ما يلي الألمنيوم، لأنه العنصر الذي يأتي بعد الألمنيوم.

وفي سنة 1886 اكتشف كل من السكانديوم والجرمانيوم، وقد ساهم هذا الاكتشاف في ترسيخ سمعة الجدول الدوري لمندلييف.

الانتصار الأخير لعمل مندلييف كان غير متوقع نوعاً ما. لقد كان اكتشاف الغازات النبيلة في 1890 على يد ويليام رامزي، مناقضاً في البداية لعمل مندلييف، إلا أنه أدرك لاحقاً أنّ هذه الغازات كانت إثباتاً آخر على صحة نظام مندلييف، لتكون مع بعضها الزمرة الأخيرة في جدوله الدوري، وهذا أعطى الجدول الدورية الثمانية التي نعرفها الآن، بدلاً من الدورية السباعية التي كانت معروفة سابقاً.

لم يحصل مندلييف على جائزة نوبل لقاء عمله هذه، ولكن العنصر 101 سمي باسمه (Mendelevium).

هنري موسيلي Henry Moseley


أخيراً وفي عام 1913 أي بعد وفاة مندلييف بست سنوات، تم حل الأحجية الأخيرة. كان ترتيب الجدول الدوري يستند إلى الوزن الذري، وكانت النتيجة مطابقة لترتيب العناصر حسب العدد الذري بصورة تقريبية، ولكن الأمر لم يخل من الاستثناءات، (مثل اليود والتيليروم كما رأينا في أعلاه)، وقد ارتأى مندلييف أن يبدل أماكن هذين العنصرين في الجدول بغض النظر عن وزنيهما الذريين، وبقي السبب مجهولاً إلى أن اهتدى إليه موسيلي أخيراً.

قصف موسيلي بواسطة قاذف الأشعة السينية المطور حديثاً آنذاك عينات من العناصر، ثم قاس الطول الموجي للأشعة السينية الناتجة واستخدمه في حساب التردد، وقد وجد أنه إذا رسمت العلاقة بين الجذر التربيعي لهذا التردد والعدد الذري، فإنّ العلاقة ستكون علاقة خط مستقيم، وفي الواقع فقد وجد طريقة لقياس العدد الذري، ويعتقد الكثيرون أنّ موسيلي كان مرشحاً بقوة لنيل جائزة نوبل، إلا أنّ اشتراكه في الحرب العالمية الأولى ومقتله على يد قناص في تركيا، حال دون ذلك.

في السنوات العشر اللاحقة لعمل موسيلي، تم التعرف على بنية الذرة بواسطة العديد من العلماء البارزين في ذلك الوقت، وقد فسر هذا التطابق الجيد لأشعة موسيلي السينية مع العدد الذري، وكما يلي:

عند رجوع الإلكترون من مستوى طاقي عالٍ إلى مستوى طاقي أوطأ، تتحرر الطاقة على هيئة أمواج كهرومغناطيسية (في هذه الحالة على هيئة أشعة سينية)، وتعتمد كمية الطاقة المتحررة على قوة انجذاب الإلكترونات نحو النواة، فكلما احتوت النواة على عدد أكبر من البروتونات، زادت قوة انجذاب الإلكترونات نحوها، وزادت الطاقة المتحررة نتيجة لذلك، ومن المعلوم أن العدد الذري يعرف أيضاً بعدد البروتونات، وهو الذي يحدد طاقة الأشعة السينية.

غلين سيبورغ Glenn Seaborg


اقترح العالم الأمريكي غلين سيبورغ سنة 1945 أنّ الأكتينيدات واللانثانات تملأ غلاف f تدريجياً، على عكس الاعتقاد السائد بأنّ الأكتنيدات تشكل دورة رابعة في سلسلة عناصر القطاع d. وعلى الرغم من معارضة زملائه لنشر هذا الاعتقاد، فإنّ غلين قام بنشر هذه الفكرة، وتبينت صحتها فيما بعد، لينال غلين سنة 1951 جائزة نوبل في الكيمياء لجهوده في تصنيع عناصر الأكتينيدات، وبذلك فقد أخذ الجدول الدوري شكله الحالي، حيث تترتب العناصر فيه حسب العدد الذري، وتكون اللانثانات والأكتينيدات في دورتين خاصتين بهما في معزل عن العناصر الانتقالية الأخرى.

أشكال أخرى للجدول الدوري


بقي أن نشير إلى وجود أشكال أخرى للجدول الدوري، فخلال القرن الذي تلا وضع مندلييف لجدوله الدوري نُشر ما يقارب الـ 700 نسخة مختلفة من الجدول الدوري وبأشكال تختلف عن الشكل المعروف، ومن هذه الأشكال الدائري والمكعب والأسطواني واللولبي والهرمي والمثلثي، والعديد من الأشكال الأخرى، وقد نشأت هذه الأشكال للتركيز على بعض الخصائص الفيزيائية والكيميائية للعناصر والتي لا تبدو واضحة في الشكل التقليدي للجدول الدوري.

من أشهر هذه الأشكال هو الذي وضعه تيودور بينفي سنة 1960، حيث تترتب العناصر فيه بشكل حلزوني مستمر، ويكون الهيدروجين في المركز، أما العناصر الانتقالية واللانثانات والأكتينيدات فإنها تشغل شكلاً مشابهاً لشبه الجزيرة.



يمكن الاطلاع على قائمة طويلة من الاشكال الأخرى للجدول الدوري من خلال هذا الرابط:

http://www.meta-synthesis.com/webbook/35_pt/pt_database.php?Button=3D+Formulations

ختاماً، فإنّ الجدول الدوري الذي نراه بين أيدينا اليوم هو حصيلة جهود جبارة للعديد من العقول العظيمة، على مدى القرنين المنصرمين من الاكتشافات العلمية.

المصدر:

Development of the periodic table. (n.d.). Royal Society of Chemistry. Retrieved March 5, 2015, from http://www.rsc.org/periodic-table/history/about

Masterton, William L.; Hurley, Cecile N.; Neth, Edward J. Chemistry: Principles and reactions (7th ed.). Belmont, CA: Brooks/Cole Cengage Learning. p. 173. ISBN: 1-111-42710-0.
السبت, نوفمبر 19, 2016

جون دالتون

جون دالتون John Dalton


جون دالتون (1766-1844)

1. بداية حياته ودراسته:

ولد الكيميائي جون دالتون 6 أيلول 1766، في Eaglesfield لعائلة الكويكرز. كان لديه شقيقان على قيد الحياة أحدهم مصاب بعمى الألوان. وكان للأب دالتون دخل متواضع لذلك ترك دالتون التعليم في سن مبكر لأن عائلته كانت فقيرة جداً فكانت بحاجة للمساعدة حيث دخل دالتون إلى مدرسة الكويكرز في قريته في كمبرلاند، عندما كان يبلغ من العمر 12 عاما بدأ التدريس هناك. وتركها عندما كان عمره 14 عاماً، حيث أصبح يعمل في المزارع لكنه قرر العودة إلى التدريس، وهذه المرة كمساعد في مدرسة الكويكرز الداخلية في كيندال. بقي هناك حتى عام 1793، حيث أصبح معلم الرياضيات والفلسفة في الكلية الجديدة في مانشستر. وانضم دالتون إلى جمعية مانشستر الأدبية والفلسفية، حيث منح عضوية الوصول إلى مرافق المختبرات.

في واحدة من مشاريعه البحثية الأولى، كان دالتون متعطشاً في مجال الأرصاد الجوية. بدأ حفظ السجلات اليومية للطقس، مع إيلاء اهتمام خاص إلى التفاصيل مثل سرعة الرياح والضغط الجوي ونشرت نتائج بحثه في الضغط الجوي في كتابه الأول، نتائج الأرصاد الجوية، ومن الأمور التي بحثها أيضا عمى الألوان فقد أثر عليه مرض شقيه بعمى الألوان ويقول دالتون أن السبب عمى الألوان وراثية ونتيجة لمساهمته في فهم عمى الألوان الأحمر والأخضر أصبح يشار الى تلك الأمراض باسم (الدالتونية).

2. قانون دالتون:

إن اهتمامات دالتون كانت في الضغوط الجوية والغازات حيث أدت التجارب دالتون على الغازات إلى اكتشافه أن الضغط الكلي لمزيج من الغازات يبلغ مجموع الضغوط الجزئية من كل الغازات الفردية المبذولة في حين تحتل نفس المساحة. وفي عام 1803 أصبح المبدأ العلمي رسمياً ليكون المعروف باسم قانون دالتون للضغوط الجزئية. حيث ينطبق قانون دالتون في المقام الأول على الغازات المثالية بدلاً من الغازات الحقيقية، نظراً لمرونة وانخفاض حجم الجسيمات من الجزيئات في الغازات المثالية.

وكان الكيميائي همفري ديفي Humphry Davy يشكك في قانون دالتون، إلى أن أوضح دالتون أن هناك قوى طارده تقوم فقط بتوليد ضغط بين الذرات من نفس النوع، وأن هذه الذرات متباينة في الوزن ضمن الخليط. ويمكن البرهنة على مبدأ قانون دالتون باستخدام تجربة بسيطة تشمل زجاجه كبيرة توضع في الماء، حيث يلاحظ بأن الزجاجة تغرق تحت الماء لكن الزجاجة ليست فارغة، وإنما مليئة بغاز الهيدروجين غير المرئي ويمكن تحديد مقدار الضغوط التي يمارسها الهيدروجين باستخدام الرسم البياني الذي يبين ضغط من أبخرة الماء عند درجات حرارة مختلفة، افترض دالتون أيضاً قانون التمدد الحراري الذي يوضح التدفئة والتبريد من رد فعل الغازات إلى التوسع والضغط. حصل على شهرة عالمية لأنه قام بدراسة إضافية باستخدام نقطة الندى لتحديد مدى تأثير درجة الحرارة على مستوى بخار الماء في الغلاف الجوي.

3. النظرية الذرية:

كل شكل من أشكال المادة (سواء الصلبة أو السائلة أو الغاز) تتكون من جزئيات فردية صغيرة، وسعى دالتون إلى التوسع في نظريته، لذلك ضمن موضوع الأوزان الذرية في كتابه نظام جديد للفلسفة الكيميائية (A New System of Chemical Philosophy) والذي نشر عام 1808. قدم دالتون في كتابه اعتقاده بأن ذرات من عناصر مختلفة تتميز عالمياً بناء على أوزانها الذرية متفاوتة. وبذلك، أصبح أول عالم يفسير سلوك الذرات من حيث قياس الوزن.

وبعد عشرين عاماً قام الصيدلاني أميديو أفوجادرو Amedeo Avogadro بالبحث عن تفاصيل إضافية في الفرق بين الذرات وذرات المركب. كما كتب دالتون عن تجاربه التي تثبت أن الذرات ترتبط باستمرار بنسب بسيطة. وكان الذي يقصده هو أن جميع جزيئات العنصر دائماً ما تتكون من نفس الخواص، مع استثناء جزيئات الماء. و في 1810 نشر دالتون ملحق لكتابه. حيث وضح بعض التفاصيل العملية لنظريته حيق قال بأن الذرات داخل عنصر معين لها بالضبط نفس الحجم والوزن.

تتحدث نظرية دالتون في نهاية المطاف عن سرد للأوزان الذرية لجميع العناصر المعروفة، وقد اعتمدت نظريته هذه بسرعة من قبل المجتمع العلمي مع بعض الاعتراضات القليلة، حيث قال مؤرخ العلوم في جامعة مانشستر معهد العلوم والتكنولوجيا Rajkumari Williams Jones “دالتون جعل الذرات مفيدة من الناحية العلمية”.

4. تكريمه:

من عام 1817 حتى يوم وفاته خدم دالتون كرئيس في جمعية مانشستر الأدبية والفلسفية، وفي عام 1832 حصل على الدكتوراة الفخرية في درجة العلوم من جامعة أكسفورد المرموقة. بينما في عام 1833 منحت الحكومة له معاش، والذي تضاعف في عام 1836. كما ومنح دالتون درجة أخرى كانت دكتوراة في القانون من جامعة أدنبرة في عام 1834. كما أقيم تمثال في لندن تكريماً لدالتون عام 1834.

وقال عنه المؤرخ Jones “أصبح دالتون رمزاً لمانشستر، وأنه ربما العالم الوحيد الذي حصل على تمثال له في حياته”. تابع دالتون حياته بالتدريس وإلقاء المحاضرات في الجامعات في جميع أنحاء المملكة المتحدة، ونجح دالتون في الحفاظ على سمعته وعاش متواضعاً طوال حياته، كما أنه لم يتزوج أبداً.

5. انجازاته ووفاته:

في عام 1837 تعرض دالتون لسكتة دماغية وبعد إصابته بسكتة ثانية، توفي دالتون مساء يوم 26 تموز 1844، في منزله في مدينة مانشستر، انجلترا. وفي جنازته التي حضرها أكثر من 40،000 شخص منح مرتبة الشرف وذلك تكريماً لإسهاماته في التصنيع والعلوم والتجارة.

إن أبحاث جون دالتون التي مكنت من وزن الذرات لم تغير وجه الكيمياء فقط وإنما كانت مقدمة للعلوم الحديثة لاحقاً. إن تقسيم الذرة في القرن العشرين لم يكن يتحقق على الأرجح لو لم يضع له دالتون حجر الأساس من خلال معرفة التركيب الذري للجزيئات البسيطة و المعقدة.

لقد سمحت اكتشافات دالتون أيضاً تصنيع مركبات كيميائية فعالة وبتكلفة منخفضة، نظراً لأنها تعطي للمصنعين الوصفة اللازمة لتحديد نسب المواد الكيميائية الصحيحة في مركب معين.

وإلى الآن فإن معظم الاستنتاجات التي تعتمد على نظرية دالتون الذرية لا تزال قائمة اليوم. وفي عام 2003، عقد في متحف مانشستر مؤتمر تكريما في الذكرى المئوية الثانية لدالتون وحياته واكتشافاته العلمية الرائدة.

المصدر:

John Dalton biography. Biography. Retrieved from: http://www.biography.com/people/john-dalton-9265201
السبت, نوفمبر 19, 2016

ديميتري مندلييف


كيميائي روسي (شباط/فبراير 1834 – شباط/فبراير 1907) يمتلك شهرة كبيرة كونه هو عالم آخر كان أول من فكر في إنشاء النسخة الأولى من الجدول الدوري للعناصر الكيميائية. وعلى عكس الذين ساهموا في فكرة الجدول الدوري، فقد استطاع مندلييف توقع الخواص الكيميائية للعناصر التي لم تكن اكتشف في ذلك الوقت. وفى حالات عديدة غامر بالسؤال عن دقة الأوزان الذرية المقبولة وقتها.

نبذة عن مندلييف:

ولد ديميتري ايفانوفيتش مندلييف في 27 يناير (8 فبراير حسب التقويم اليولياني القديم) من عام 1834 بالقرب من توبولسك Tobolsk في سيبيريا Siberia. وكان دميتري الطفل السادس عشر والأخير في أسرته علماً بأنّ ثمانية منهم فارقوا الحياة في سن الطفولة. أما مندلييف نفسه فقد تزوج مرتين. ورزق بسبعة أبناء وبنات من زوجتين.

وفى عام 1849، إستقرت عائلة مندلييف الفقيرة في سان بطرسبرغ Saint Petersburg، حيث التحق بالمعهد التربوي العالي في عام 1850، وبعد التخرج أصيب بالسل مما جعله ينتقل إلى شبه جزيرة القرم Crimea بالقرب من البحر الأسود في عام 1855، حيث أصبح الرئيس العام للعلوم في المدرسة الثانوية المحلية. ثم استعاد صحته ورجع إلى سان بطرسبرغ عام 1856.

وبالرغم من أن مندلييف تم تكريمه من كل المؤسسات العلمية في أوروبا، بما فيها حصوله على ميدالية كوبلي من المجتمع الملكي في لندن، فإنّ نشاطه السياسي كان يقلق الحكومة الروسية، مما أدى لإقالته من جامعة سان بطرسبرغ في17 أغسطس عام 1890، وفى عام 1893 تم تعيينه مدير لديوان الأوزان والقياسات.

الجدول الدوري:

في عام 1866، قام العالم البريطاني جون نيولاندز John Newlands بنشر نظرية الثمانيات، ولكن عدم وجود فراغات كافية للعناصر التي لم يتم اكتشافها، وتواجد بعض العناصر في نفس الخانة كانت من الانتقادات الموجهة لهذ النظرية، وبالتالي لم يتم قبولها. وبإغفال هذا، قام مندليف بالعمل على فكرة مشابهة، وفي6 مارس عام 1869، تم تقديم الشكل الأساسي لها للمجتمع الروسي للكيمياء، بعنوان “العلاقة بين خصائص العناصر وأوزانها الذرية”، ومما ما نصت عليه:

لو تم ترتيب العناصر طبقاً لوزنها الذري فإن خصائصها تتكرر دورياً.
ترتيب العناصر، أو مجموعة من العناصر حسب أوزانها الذري، يتفق مع ما يسمي التكافؤ, وأيضاً، إلى درجة ما، إلى خواصهم الكيميائية المميزة، كما يظهر بوضوح في سلسلة Li, Be, Ba, C, N, O, Sn.
تحدد قيمة الأوزان الذرية صفات العنصر، كما أن قيمة الجزيء تحدد صفات المركب.
يجب توقع اكتشاف عديد من العناصر الغير مكتشفة وقتها مثلاً عنصر مشابه للألمنيوم والسيليكون، والذي يتوقع له وزن ذري بين 65 و 75.
يمكن ضبط الوزن الذري للعنصر بمعرفة الأوزان الذرية للعناصرالملاصقة له.
مندلييف لبحوث الأرصاد الجوية:

انجز العديد من الأعمال في مجال الأرصاد الجوية. وأعد نظرية دقيقة للأوزان، واستحدث أدق أساليب الوزن. وفي عام 1892 أصبح ديميتري مندلييف أمين الحفظ في خزانة عيارات الوزن والميازين النموذجية التي تحولت في عام 1893 بمبادرة منه إلى الهيئة العامة للمقاييس والأوزان (تطلق عليها حاليا تسمية معهد مندلييف لبحوث الأرصاد الجوية).

كان مجال اهتمامات مندلييف في حينه قريباً من علم المعادن وتحفظ مجموعته من نماذج المعادن بعناية في متحف قسم علم المعادن في جامعة سانت بطرسبورغ.

البحث الإقتصادي:

كان مندلييف أيضا باحثاً اقتصادياً بارزاً حدد الاتجاهات الرئيسية لتطور روسيا الاقتصادي. وكان من أشد أنصار فرض الحماية الجمركية للسلع الروسية الصنع واستقلال روسيا اقتصادياً. ودافع مندلييف عن الصناعة الروسية من منافسة البلدان الغربية، وربط تطور الصناعة في روسيا بالسياسة الجمركية العامة. وأشار إلى وجود إجحاف في النظام الاقتصادي الذي يسمح إلى البلدان التي تقوم بمعالجة لمواد الخام جني ثمار عمل العمال في البلدان المصدرة لهذه المواد الخام. وبرأيه أن هذا النظام (يعطي الأفضلية إلى الفئة المالكة على حساب الفئة المحرومة).


ميدالية مندلييف الذهبية، جائزة تقدم للأعمال المتميزة في الكيمياء كل عاميين من قبل جمعية مندلييف الكيميائية الروسية

الإنجازات الأخرى:

في عام 1902،  في محاولة منه لفهم الإثير، إفترض (بالخطأ) أنه يوجد هناك عنصرين لهما وزن ذري أقل من الهيدروجين، وأخفهما خامل كيميائياً، ويتعدى في حركته، كل الغازات النفاذة، وهذا العنصر يكون الإثير. كما كرس مندلييف كثيراً من وقته لدراسة طبيعة المركبات المجهولة مثل المحاليل، والتي اعتبرها أنظمة سوائل متجانسة لمركبات متفككة غير ثابتة للمذيب مع المادة المذابة.

في قسم آخر من الكيمياء الفيزيائية قام بالتحقق من تمدد السوائل بالحرارة، وقدم معادلة مماثلة لمعادلة جاى لوساك لتجانس تمدد الغازات.

قام مندليف بالكتابة بتوسع في الموضوعات الكيميائية، وأكثر كتبه المعروفة يمكن أن يكون (مبادئ الكيمياء)، 1868–1870، وتم نشر الكتاب بإصداراته المتتالية بلغات عديدة. وقام مندلييف بالتحديد العلمي لأفضل نسبة للكحول المستخدم في الفودكا والتي كانت 40%، وكان مصدر النسبة أطروحته لنيل درجة الدكتوراه (حول خلط الماء بالكحول). وتعامل في بحثه في الأساس مع الخواص الفيزيائية لمحلول الماء والكحول، مثل الكثافة. وقام بتقديم النظام المتري للإمبراطورية الروسية وقام باختراع (بروكولوديوم)، وهو نوع من بارود بدون دخان المبني أساساً على نيترو سيليلوز، وفى عام 1892 قام بتنظيم عملية تصنيعه.

بعضٌ بحوثه العلمية:

ألف مندلييف العديد من البحوث الأساسية في مجال الكيمياء والتكنولوجيا الكيميائية والفيزياء وعلم القياسات والتحليق في الجو وعلم الأرصاد الجوية والزراعة والاقتصاد والتعليم العام وغير ذلك من الأعمال المتعلقة بمتطلبات تطوير القوى المنتجة في روسيا.
خلف مندلييف ما يربو على 1500 بحث منها البحوث الكلاسيكية ” أصول الكيمياء” (أول عرض منهجي للكيمياء غير العضوية)، كما ألف مندلييف أول كتاب مدرسي روسي بعنوان (الكيمياء العضوية).
درس مندلييف (في الأعوام 1854–1856) الظواهر التي تكشف العلاقة بين الشكل البلوري والتركيب الكيميائي للمركبات، وكذلك تبعية صفات العناصر لمقادير ذراتها.
أكتشف في عام1860 درجة حرارة الغليان المطلق للسوائل أو درجة الحرارة الحرجة.
وضع في فترة 1865–1887 النظرية الهيدراتية للسوائل، كما طور فكرة وجود مركبات ذات تركيب متغير.
كشف مندلييف لدى دراسة الغازات في عام 1874 الصيغة العامة لوجود الغاز المثالي.
في عام1877 طرح مندلييف فرضية نشوء النفط من كربيدات المعادن الثقيلة، وطرح مبدأ التقطير الاتلافي لتكرير النفط.
الأماكن التذكارية:

سان بطرسبرغ Saint Petersburg: متحف الأرشيف التذكاري في الجامعة (يحتوي الشقق التي عاش فيها بين الأعوام 1866-1890)، متحف الأرصاد الجوية في معهد المترولوجيا – علم القياس (الشقق التي عاش فيها بين الأعوام 1892-1907)
توبولسك Tobolsk: متحف مندلييف، قبر والده.
هايدلبرغ Heidelberg: يوجد المنزل الذي عاش فيه مندلييف.
المصدر:

دميتري مندليڤ. المعرفة. أخذ من الرابط: http://www.marefa.org/index.php/دميتري_مندليڤ

Dmitriy Mendeleev: A Short CV, and A Story of Life. Mandeleev Communications. Retrieved from: http://www.mendcomm.org/Mendeleev.aspx
السبت, نوفمبر 19, 2016

أحمد زويل ( نوبل العرب )


عندما تدخل الجزيئات ضمن التفاعلات الكيميائية، تتحرك ذراتها بسرعة بحيث لا يمكن مشاهدتها. لكن تخيل فيما لو استطعنا تصوير العملية باستخدام كاميرا عالية السرعة، ويمكنها إعادة إظهار التفاعل بحركة بطيئة. دفع فضول الكيميائيين لتطوير طرق متقدمة من شأنها دراسة أدق تفاصيل التفاعل الكيميائي. وكانت النتائج حصول العالم المصري أحمد زويل على جائزة نوبل عام 1999 وذلك لأبحاثه في مجال جديد من الكيمياء … “كيمياء الفمتو”. سنلقي من خلال هذا المقال على سبب حصول البروفسور زويل على هذه الجائزة، وما هي حقيقة وأهمية كيمياء الفمتو في عملية البحث العلمي.

استخدم البروفسور أحمد زويل طريقة، يمكن وصفها بأنها أسرع كاميرا حتى الآن. تتم باستخدام ومضات ليزرية، يكون الزمن بين الومضات منخفض جداً بحيث يمكننا النزول لمستويات زمنية صغيرة والتي تقارب سرعة التفاعلات الكيميائية، أي الفمتوثانية Femtosecond. الفمتوثانية هو 10-15 من الثانية، أي ما يقابل ثانية واحدة لـ 32 مليون سنة! يسمى مجال الكيمياء الفيزيائية الذي نشأ على هذه الدراسات بكيمياء الفمتو Femtochemistry.

سمحت لنا كيمياء الفمتو بفهم الآليات التي تسمح بحدوث بعض التفاعلات، بينما لا تحدث التفاعلات الأخرى، ولماذا تكون سرعة التفاعل والمردود تابعان لدرجة الحرارة. على ضوء أبحاث البروفسور أحمد زويل، استطاع العلماء حول العالم دراسة التفاعلات باستخدام مطيافية الفمتوثانية Femtosecond Spectroscopy في الغازات، السوائل، الأجسام الصلبة، السطوح، على البوليميرات والنظم البيولوجية. يشمل مجال التطبيقات بدءاً من كيفية عمل الحفازات وكيف يمكن تصميم الجزيئات في الأجهزة الالكترونية، حتى التفاعلات الحيوية.

سرعة التفاعلات الكيميائية:


من المعروف أن التفاعلات الكيميائية تحدث بسرعات كبيرة، وعادةً ما تزداد سرعة التفاعل مع ارتفاع درجة الحرارة، لتصبح حركة الجزيئات أكثر عنفاً ويزداد احتمال اصطدام الجزيئات.

وضعت أول معادلة لربط التفاعلات الكيميائية بدرجة الحرارة من قبل الكيميائي السويدي سفانت أرينيوس Svante Arrhenius (حصل على جائزة نوبل سنة 1903)، وذلك سنة 1889:



حيث k هي ثابت سرعة التفاعل، A ثابت، Ea طاقة التنشيط، k في الأس هو ثابت بولتزمان، T درجة الحرارة المطلقة.

تعبر طاقة التنشيط عن ارتفاع الحاجز الطاقي اللازم تجاوزه لحصول التفاعل الكيميائي، والذي تصل عنده الجزيئة لحالة طاقية عالية، وقد أسماه أرينيوس بالمعقد المنشط Activated Complex.

تم تطوير معادلة أرينيوس على يد هنري أيرينغ Henry Eyring ومايكل بولاني Michael Polanyi وذلك بطرح نظرية الحالة الانتقالية Transition State Theory، والتي تم اشتقاقها من حركية المواد على المستوى الجهري.

ولادة مجال بحثي جديد

لقد استخدم الضوء العادي لكشف التفاعلات الكيميائية: كل جزيئة تملك لوناً مختلفاً عن الأخرى، لذلك يتم استخدام جهاز المطيافية الضوئية Spectrophotometer لتعقب تحولات (حركية) المتفاعلات إلى النواتج، وكانت البدايات الاولى في تطوير طرق لتبطيىء التفاعلات الكيميائية حتى أزمنة قصيرة من مرتبة الميلي ثانية.

استطاع الكيميائيين بالطرق القديمة اكتشاف وجود المركبات الوسطية Intermediates وهي مركبات تقع في حالة بين المواد المتفاعلة والمواد الناتجة، ولا تعد هذه المركبات ضمن سلم الثواني مستقرةً. إن كل مساهمة في تحسين دقة الزمن اللازم لكشف المركبات الوسطية، قد قاد إلى دراسة عمر المركب الوسطي ضمن أزمنة قصيرة جداً والتي يكون عندها هذا المركب، بشكل تقريبي: مستقراً.



أما اليوم، وبفضل تقدم مجال كيمياء الليزر والتي تعتبر أساس أبحاث البروفسور زويل، فيمكن تعقب التفاعلات الكيميائية بدقة تصل حتى بليون مرة بجعل حزم الجزيئات تتصادم بالفراغ وباستخدام ومضات ليزرية فرق الزمن بين الومضتين منخفض جداً.

مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، قام زويل بسلسلة من التجارب والتي أدت لولادة مجال بحثي جديد والذي يسمى اليوم بكيمياء الفمتو. يمكن وصفه أنه باستخدام أسرع كاميرا يمكنها التقاط صور للجزيئات أثناء تفاعلها خصوصاً عند مرحلة الحالة الانتقالية. طبعاً الكاميرا عبارة تقانة ليزرية متقدمة، تصدر ومضات بفارق زمني من مرتبة الفمتوثانية.

إنّ مساهمة أحمد زويل هي  إمكانية الوصول لأقصر أزمنة تفاعل ممكنة، لا يوجد تفاعلات كيميائية تحدث أسرع منها. ينتقل الحديث من حركية التفاعل إلى ديناميكية التفاعل. باستخدام مطيافية الفمتوثانية، يمكننا ولأول مرة، مراقبة  مرحلة عبور الحاجز الطاقي بشكل كما لو أننا نشاهد فيلماً أبطأ مما هو عليه، وبالتالي يمكننا من فهم الخلفية الميكانيكية لمعادلة أرينيوس.

تجربة أحمد زويل


قام أحمد زويل، من أجل الحصول على “الفيلم الجزيئي” لتفاعل كيميائي، بمزج المتفاعلات على شكل حزم جزيئية ضمن غرفة مخلاة من الهواء. كما هو العادة في مرحلة التفاعل أحادي الجزيئة، يكفي لحدوث التفاعل نوع واحد من الحزم الجزيئية. قام بعد ذلك بتشغيل ليزر عال السرعة، حيث يكون الزمن بين نبضتين ليزرتين عدة مئات من الفمتوثانية، وذلك لضخ نبضتين على الجزيئة الواحدة: الاولى هي نبضة  ضخ عالية الطاقة والتي تقوم بإثارة الجزيئة لحالة طاقية عالية والتي يبدأ عندها التفاعل. تأتي بعدها نبضة ليزرية أضعف من الاولى، تسمى بنبضة المئبر، تختار طول الموجة من أجل لكشف الجزيئة الأصلية أو الشكل البديل عنها.

بدأت تجارب أحمد زويل الاولى على تفاعلات التفكك أحادية الجزيئة لسيانيد الصوديوم إلى جذور اليود والسيانيد:

ICN → I + CN

وقد نشر فريقه البحثي مقالة في مجلة فيزياء الكيمياء Chemical Physics سنة 1987، تتحدث عن دراسة الحالات الانتقالية ضمن مجال الفمتوثانية، حيث تمت مراقبة تكسير الرابطة الكيميائية I-C والتي تمت خلال 200 فمتوثانية.

قام فريق أحمد زويل سنة 1988 بدراسة تفارق dissociation يوديد الصوديوم:

NaI → Na++I–

حيث أثارت النبضات الليزرية الزوج الأيوني Na+I– والذي كان له مسافة توازنية بين النوى تساوي 2.8A0، لتتحول إلى الشكل المثار [Na-I]* والذي كان له طول رابطة أقصر والتي تملك صفة الرابطة التكافؤية (مشتركة). على أية حال، فإن خواصها تتغير عندما تهتز الجزيئة: عندما تكون ذرات الصوديوم واليود عند مواضع تحولها الخارجي، 10-15 A0 بعيداً عن الالكترون، تكون البنية أيونية
الشكل 1

[Na+. . .I–]*، وكأن الالكترون قد تحرك من الصويوم إلى اليود. عندما تقترب الذرات من بعضها، يعو التراب ليصبح تكافؤي [Na-I]* وهكذا.

يتم الوصول لنقطة حرجة أثناء الاهتزاز وذلك عند مسافة 6.9A0، وهي عندما عندما تكون الحالة المثارة، والحالة الأساسية قريبتان جداً من بعضهما. عند هذه النقطة يكون هناك احتمال كبير بأن الحالة المثارة [Na-I]* سوف تعود لحالتها البدائية [Na-I]، أو تتفكك لذرات الصوديوم واليود. يمثل الشكل 1منحنيات الطاقة الكامنة، حيث يمثل المنحني العلوي الحالة المثارة، والمنحني السفلي  هو الحالة البدائية.

ما وجده زويل وفريقه أنه يمكن تتبع المعقد المنشط عندما يتحرك إلى الأمام والخلف، أي بين الرابطة التكافؤية والرابطة الأيونية.

تم تفسير ذلك بأن النبضات الليزرية قد شكلت عينة من الجزيئات المثارة تبدأ جميعها عند النقطة 2.8A0 وتهتز بعدها بشكل متزامن. ثم سوف تمر جميع الجزيئات عند النقطة السحرية 6.9A0  بنفس الوقت، مما يفسر لماذا تفاعلت الجزيئات كلها بنفس الوقت تقريباً وبالتالي التشكيل الاهتزازي لذرات الصوديوم.

أحد التفاعلات التي تمت دراستها هو تفاعل تماكب الستيلبين Stilbene بوجود مصدر ضوئي، كما يظهر في الشكل 2:

الشكل 2

خلال إثارة الشكل المقرون للستيلبين cis-Stilbene باستخدام نبضة فمتوثانية، سوف تضعف الرابطة الثنائية المركزية الشبيهة بالإيتيلين، مما يسمح بدوران حلقات البنزن بزاوية 900 إلى مركب وسطي ملتوي خلال 300 فمتوثانية، مما يعطي في النهاية الشكل المفروق trans-Stilbene بزاوية دوران 1800. تمت ملاحظة هذه الظاهرة من قبل باحثين آخرين على مركب الريتينال retinal، وهو جزء من صبغة الرودوبسين rhodopsin المسؤولة عن التقاط الضوء في عين الانسان. يمكن تفسير الفعالية العالية للتفاعل (70%) من خلال معدل التفاعل الكبير (200 فمتوثانية) واكتشاف الاهتزاز المترابط والذي يستمر إلى الاهتزاز في المركب النهائي.

المصدر:

Autobiography Ahmed Zewail. (n.d.). The Nobel Prize in Chemistry. Retrieved October 11, 2015, from http://zewail.nobel-link.com/1.htm

Femtochemistry. (n.d.). Physical Biology Center for Ultrafast Science & Technology (UST) – Caltech. Retrieved October 11, 2015, from http://www.ust.caltech.edu/press/femtochem.html

The 1999 Nobel Prize in Chemistry – Extended version of the Press release. (n.d.). Nobel Prize. Retrieved October 11, 2015, from http://www.nobelprize.org/nobel_prizes/chemistry/laureates/1999/advanced-chemistryprize1999.pdf

من نحن

authorمرحبا، أسمي مستر فوزى وهذه مدونتي أسعى دائما لأقدم لكم أفضل المواضيع الخاصة بالتعليم والمعرفة فى كافة المجالات
المزيد عني →

التصنيفات

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *